بقلم: د. حلمي محمد القاعود
د. حلمي محمد القاعود |
في إطار الهجمة الضارية التي بدأت مع قدوم نابليون بونابرت واحتلال مصر عام 1798م، لمحو الإسلام من نفوس المسلمين وقلوبهم، وتصاعدت بدخول الإنجليز الغزاة، وتكوين النخب الرافضة للإسلام تحت مسميات شتَّى، فإن الصراع لم يتوقف بين من يريدون القضاء على الإسلام أو تحويله إلى إسلام غربي أو أمريكي على الأقل، وبين من يؤمنون بهذا الدين منهج حياة، مثلما هو طريق اعتقاد، وبعد انقلاب العسكر في 1952م، ظهرت بعض الأيديولوجيات التي روَّجت لها بعض النخب، وأثمرت تطبيق ما سمِّي بالاشتراكية التي جعلت الدين الإسلامي- وفقًا للميثاق القومي- مجرد قيم روحية لا علاقة لها بالدنيا ولا بالمستقبل، وجاءت الهزيمة القاتلة في 1967م؛ حيث لم تصمد الاشتراكية ولا التقدمية وانهار البناء الوطني والقومي؛ ما حتَّم ضرورة المراجعة التي جعلت الإسلام يتصدر الساحة مرةً أخرى، ويقود الجهاد ضد العدو النازي اليهودي الغاصب، وسمع الناس لأول مرة "الله أكبر" تتجلجل في أعماق سيناء وفي آفاقها المختلفة، وكان العبور العظيم الذي صنعه العلم والتدريب والتخطيط اعتمادًا على الله ونصرته وتوفيقه.
كان المناخ العام ينفر من الشيوعية والشيوعيين، كما ترفض النخب المتغربة التي تقلد أسوأ ما في الغرب من انحلال وعلمانية بائسة ومظاهر شكلية لا تقدم ولا تؤخر، وكانت الصحوة الإسلامية بداية طريق جديد يسعى لبناء نهضة حضارية جديد ة على أساس إسلامي،
في ذلك الحين نشطت الحركة الإسلامية، وظهرت بعض المقالات والكتب تبشر بانتصار المنهج الإسلامي المعبر عن الشعب بكل طوائفه واتجاهاته، باستثناء النخب الموالية للغرب والماركسية، وكتب صديقي الراحل جابر رزق- رحمه الله- "المسلمون قادمون"، وصدر له كتاب بهذا الاسم في دار الاعتصام، وكتبت حينئذ في مجلة (الاعتصام) وغيرها عن الإسلام بوصفه حلاًّ لمشكلاتنا المختلفة بعد فشل النظريات المستوردة، وظهرت أكثر من مقالة أواخر السبعينيات حتى أواسط الثمانينيات تحمل "الإسلام هو الحل"، وقد تبنَّى الراحل عادل حسين- رحمه الله- الشعار، في جريدة (الشعب) التي أغلقتها السلطة، ونشره على أوسع نطاق، خاصةً في انتخابات 1987م؛ حيث لقي ترحيبًا جماهيريًّا عريضًا؛ لأنه تعبير عن وجدان الأمة وهويتها، وحلمها في البناء والتغيير.
في ذلك الحين نشطت الحركة الإسلامية، وظهرت بعض المقالات والكتب تبشر بانتصار المنهج الإسلامي المعبر عن الشعب بكل طوائفه واتجاهاته، باستثناء النخب الموالية للغرب والماركسية، وكتب صديقي الراحل جابر رزق- رحمه الله- "المسلمون قادمون"، وصدر له كتاب بهذا الاسم في دار الاعتصام، وكتبت حينئذ في مجلة (الاعتصام) وغيرها عن الإسلام بوصفه حلاًّ لمشكلاتنا المختلفة بعد فشل النظريات المستوردة، وظهرت أكثر من مقالة أواخر السبعينيات حتى أواسط الثمانينيات تحمل "الإسلام هو الحل"، وقد تبنَّى الراحل عادل حسين- رحمه الله- الشعار، في جريدة (الشعب) التي أغلقتها السلطة، ونشره على أوسع نطاق، خاصةً في انتخابات 1987م؛ حيث لقي ترحيبًا جماهيريًّا عريضًا؛ لأنه تعبير عن وجدان الأمة وهويتها، وحلمها في البناء والتغيير.
كان الأمل كبيرًا في نهضة إسلامية رشيدة؛ تعيد للأمة هيبتها ونضارتها، فجاءت اعتقالات سبتمبر 1981م؛ التي أعقبتها اغتيال السادات، وكان ما كان من عنف ودماء!.
نجح الأشرار في تفريغ الصحوة الإسلامية من مضمونها، وجر كوادرها إلى ميادين أخرى ذهبت بالكثير من الشباب إلى غيابات الظلام، وأزهقت عديدًا من الأرواح، وتولدت محن وآلام، ما زالت آثارها باقية حتى اليوم، واستطاع الأشرار أن يجعلوا مكافحة الإرهاب محوًا للإسلام واستئصالاً له، مع وصم كل مسلم بالظلامية والدموية والتخلف، لدرجة أن تجرأ بعضهم ونشر بيانًا على صفحة كاملة في عدد من الصحف الكبرى يطالبون بحذف المادة الثانية من الدستور، مع أنها عمليًّا لا تطبق في الواقع الاجتماعي أو الاقتصادي أو السياسي.
ثم رأينا دولة إسلامية دينها الرسمي الإسلام، وأغلبيتها الساحقة تدين بالإسلام عقيدةً، وأقليتها غير المسلمة تدين به حضارةً وثقافةً تحظر شعار (الإسلام هو الحل)، وتجند أبواقها الإعلامية والصحف التي تسيطر عليها، وصحف ملك اليمين وقنواته، والأحزاب الورقية؛ لتهاجم الشعار وتعده شعارًا طائفيًّا؟!
يا للعار!! مصر المسلمة ترى الإسلام في مصر طائفة؟ مصر التي ينظر إليها العالم الإسلامي بوصفها بلد الأزهر وعقل الإسلام تتنازل عن الإسلام، وتخجل منه، وتراه طائفةً مثل الأقليات المحدودة؟ مصر المسلمة ترى أن الشعارات الدينية الإسلامية كُفر يجب ألا يمارسه أهل السياسة؛ لأن خلط السياسة بالدين لا يجوز! كيف؟ أريد من يشرح لي: هل عندما أرشِّح نفسي جدلاً في الانتخابات يجب أن أتخلَّى عن ديني؟ أو بمعنى آخر هل أتخلَّى عن الإسلام لأصل إلى كرسي النيابة؟ أم أن عدم خلط الدين بالسياسة يعني أن أستحل التزوير، والكذب، والوعود الزائفة، والرشوة، والعنف، والإرهاب، وأعدها أمورًا لا علاقة لها بالإسلام؟!
نواب حزب السلطة يستخدمون في الانتخابات (المهزلة) كل الشعارات الإسلامية؛ بدءًا من قوله تعالى: (إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ) (محمد: من الآية 7)، (إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا (1)) (الفتح)، "سر على بركة الله وتوفيق الله"، (إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ) (آل عمران: من الآية 160)، (وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ) (التوبة: من الآية 105)، حتى رمز الهلال الإسلامي يحتكره الحزب الحاكم، ولا يخلو منشور انتخابي ولا لافتة لمرشح، ولا ميكرفون سيارة تمر إلا وتحمل اسم المرشح ورمزه، ولا إعلان في صحيفة عن المرشح؛ من استخدام الآيات القرآنية التي تعد شعارات دينية إسلامية بامتياز، ولكن السلطة تتربَّص بشعار واحد فقط أقرَّه القضاء هو: (الإسلام هو الحل)! ولا أدري ماذا يضايق القوم في هذا الشعار؟! ألا يفاخر حزب السلطة أنه يملك الأغلبية الساحقة؟ ألا يملك القدرة على التزوير الغشيم ليحصد هذه الأغلبية؟ ألا يملك جيوشًا جرارةً من الأبواق والأقلام التي تروِّج لنوابه، ومنهم أصحاب التسميات التاريخية: نواب القروض، نواب سميحة، نواب النقوط، نواب التأشيرات، نواب القمار، نواب العلاج، نواب سب الدين، نواب الأحذية، نواب ضرب النار في المليان، نواب العبَّارات الغارقة، نواب الدم الملوث، نواب الاحتكار، نواب الفياجرا، نواب الأراضي، نواب الفنانات الفاتنات..؟!
إن حظر الإسلام في الحياة أو الانتخابات جريمة لا تغتفر، ويدخل تحت قوله تعالى (أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ) (البقرة: من الآية 85).
ولا أظن أن خصوم الإسلام الذين يترقَّبون موسم الانتخابات الهزلية للتحرُّش بالإسلام سيفلحون أو يحقِّقون نجاحًا كبيرًا في محو الإسلام واستئصاله؛ لأن الشعب المصري- بأغلبيته وأقليته- ينحاز إلى الإسلام فطريًّا وتاريخيًّا، ولا يرضى عنه بديلاً.
أما كسب الانتخابات (المهزلة) فينبغي أن يبتعد عن العدوان على الإسلام، وتجييش الأبواق المأجورة وأقلام المرتزقة والأفاقين للنيل منه.
هل هناك ما يسوِّغ للسلطة أن تخوض قتال شوارع- كما وصفته بعض الصحف- ضد من يرفعون شعار (الإسلام هو الحل)؟ أليست الانتخابات الحقيقية- وليست انتخابات الاتحاد الاشتراكي أو حزب السلطة- تفترض أن يعلن الناس عن برامجهم وشعاراتهم، والشعب هو الذي يختار منها ما يعجبه ويتناغم معه؟ أم إن الانتخابات مصيدة أعدتها سلطة الطوارئ لاعتقال مئات الشباب الإسلامي وأقارب المرشحين الإسلاميين، وإيداعهم المعتقلات بعد استخدام العنف والإرهاب لهم في الشوارع، وتفريق المسيرات بالقوة، وفض المؤتمرات بخراطيم المياه، وتمزيق اللافتات، وفي الوقت ذاته تهيئ المجال لمرشحي حزب السلطة، وتبسط الحماية عليهم، وتستجلب الدعاة الإسلاميين لتأييدهم والوقوف إلى جانبهم، وتلجأ إلى المساجد والكنائس للقاء الجماهير، وتعليق اللافتات، ومعاقبة الأئمة الذين يرفضون الانصياع لإرادة السلطة ومزاجها!.
إنه لأمر عجاب حين تفعل السلطة الشيء ونقيضه في آن واحد، وتكيل بمكيالين، ثم تدَّعي أنها تُجري انتخابات نزيهة!.
هناك من يسأل: ماذا لو رفع الاتحاد الاشتراكي أو حزب السلطة شعار (الإسلام هو الحل؟ ماذا سيتغير في واقع الانتخابات (المهزلة)؟ هل ستتغير النتائج التي قررها الاتحاد الاشتراكي أو حزب السلطة سلفًا، وتوزيعه للفتات على بعض الأحزاب الورقية التي وافقت على دخول الانتخابات؟!
وبالمناسبة فأظن أن دخول الإخوان الانتخابات لم يكن اقتناعًا أنها ستكون نزيهة، كما زعم أحد كتَّاب السلطة، وليست مجاراةً للأحزاب التي وافقت على المشاركة، فالإخوان- فيما أظن ولست متحدثًا باسمهم أو معبرًا عن وجهة نظرهم- يعلمون أن التزوير لن يتوقف، وأنهم ربما لا يحصدون مقاعد على الإطلاق، ولكنهم أرادوا أن ينقلوا للناس وعيًا إسلاميًّا بشعار (الإسلام هو الحل)، ينقلهم من حالة الاستسلام للواقع المتردِّي إلى يقظة حية تدافع عن الدين والوطن والمستقبل، في ظل الحصار والاستبداد والطوارئ ونواب الاتحاد الاشتراكي أو حزب السلطة.
تعليقات
إرسال تعليق